لماذا تعد مساعدة الشعب اليمني صعبة للغاية؟!

لماذا تعد مساعدة الشعب اليمني صعبة للغاية؟!

تتمايل الحاملات الرافعة أمام مستودعنا في بيسستر، بالمملكة المتحدة، بينما تقوم بتحميل أربع شاحنات ملفوفة. كانت تلك بداية رحلة طويلة ل 39 طنا من معدات إنقاذ الحياة الحيوية المتجهة إلى مطار ستانستيد القريب من لندن في طريقها إلى اليمن. كنت أقول هذا الكلام والكاميرا تصور مشهد خزانات المياه ومعدات اختبار المياه وهي توضع في مكانها. إن نسيج المجتمع اليمني متهالك، وقد لجأنا إلى رأب هذا الصدع بإمدادات خارجية لدعم الاستجابة الطارئة للكوليرا. فقد توفى حوالى الفى شخص فى اليمن منذ ابريل الماضي وذلك جراء الإنتشار السريع لوباء الكوليرا. وتقدر منظمة الصحة العالمية  وجود أكثر من 500 ألف حالةٍ، ولا تزال الأرقام في إزدياد. ومن ناحية أخري فلم يتقاضى الأطباء و الممرضات أي مستحقات منذ تسعة أشهر،كما أن الإمدادات الطبية المتوفرة غير كافية. أخبرني طبيب في أحد المستشفيات الرئيسية في صنعاء أن كبار السن لا يدركون الأعراض مبكراً ولذا يتم إسعافهم الي المسشفيات في حالة متأخرة جداً من الإصابة بهذا الوباء، مما يحيل دون إنقاذهم. فالكوليرا بإمكانها أن تفتك بالمصاب في غضون ساعتين. واستطرد قائلا أن المجتمعات الريفية في أمس الحاجة إلى الدعم الطبي ولكن ليس لديها أموال أو وقود للنقل من أجل البحث عن العلاج. فسألته: "إذا أين يذهبون؟." و أتاني صمته عن الجواب بالإجابة الكاملة. فهناك نقص في معالجة الجفاف عن طريق الفم، فلا يوجد سوى 700 مركزا من أصل الفي مركز موزعين  في 21 محافظة من أصل 22 محافظة مصابة بالوباء. ومن المرجح أن العدد الفعلي للوفيات في المناطق الريفية أكبر بكثير مما تظهره التقارير. تنهمك الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية في البحث عن سبل التصدي لمرض تسهل الوقاية منه، ويقترح البعض تطبيق نفس نموذج الاستجابة للطوارئ المستخدم لمكافحة الإيبولا في سيراليون.

وقد تم نقل الشحنة من المملكة المتحدة عبر طائرة مستأجرة تم تفريغها في جيبوتي، على الضفة الأخرى من البحر الأحمر باليمن.وقد وصلت الإمدادات الي اليمن في 12 يوليو – بعد أن إستغرق إيصالها أسبوعين. وقد رتبت الأمم المتحدة إرسال الشحنة، حيث كان يخشي اعتبار الطائرة هدفا عسكريا ولضمان إيصال المساعدات إلى اليمن. وسوف يصل 13 طناً إضافياً من الإمدادات قادمة من باكستان وجنوب إفريقيا. ويعمل الفريق اللوجستي لمنظمة أوكسفام على العثور على مساحة لوضع الشحنة، ولكن وكالات الإغاثة الأخرى تحاول القيام بنفس الأمر, لذا علينا التحلي بالصبر، ونقبل أن هناك إزدحاماً خانقاً.

 وصلت أنا إلى العاصمة اليمنية صنعاء، قبل وصول الإمدادات إسبوع. ولا توجد سوى وسيلة واحدة للوصول إلى صنعاء، وهي طائرة ذات 40 مقعداً مخصصة فقط للعاملين الدوليين في مجال المساعدات الإنسانية ،  تديرها الأمم المتحدة وتمولها الجهات المانحة.  إنني في موقع متميز فيمكنني مغادرة اليمن متى أردت، لرؤية عائلتي، ويمكنني الحصول على الدعم الطبي، والاستراحة من الأزمة. وهذا ما يميزني عن المضيفين الذين تقطعت بهم السبل في بلدهم، ولا يستطيعون الحصول علي الدعم الطبي الخارجي، أو حتي إستبدال البطاريات في أجهزة ضبط النبض لديهم ، ولا استخدام آلات غسيل الكلى.وكثير من قصص هؤلاء الذين يعانون تذهب معاناتهم أدراج الرياح وأمثالهم من الأشخاص الذين سجنوا في وطنهم، وبالطبع هناك حالات وفاة لم يتم توثيقها.

مطار صنعاء في وضع كارثي. فبمجرد هبوطي من الطائرة ، رأيت هيكلا لبناء تم قصفه وطائرات محترقة ترقد منبوذة حول المدرج. صف بعد الآخر من الكراسي الفارغة التي كانت تعج يوماً بالسياح المبتهجين يملؤه الآن  فراغ مخيف. وقد طلبنا موظفين فنيين إضافيين للمساعدة في تنقية إمدادات المياه وإزالة مخلفات المراحيض وتوزيع إمدادات الصرف الصحي وإطلاق حملات توعية صحية عن هذا القاتل الصامت، وهي الصفة التي غالبا ما يعرف بها وباء الكوليرا. طلبات التأشيرة قدمت في اليوم الذي غادرت فيه المملكة المتحدة، والآن، وبعد مضي أربعة أسابيع بالضبط، ما زلت في انتظار الضوء الأخضر حتى أتمكن من حجز الرحلة. وينعين علي العامليين الدوليين بمجال الإغاثة حتى في حالة وجودهم في البلاد، أن ينتظروا ثلاثة أيام للحصول على تصريح سفر، وحتى ذلك قد يكون غير مضمون، ففي المرة الأخيرة التي كنت فيها هنا تم رفض طلبي، دون سبب معين لذلك. وينتهي الأمر ان تستغرق هذه الاستجابة الإنسانية التي يجب ان تكون سريعة الي شهراً كاملا. يصبح الإحباط هو ما يسود الموقف.

ويتم الآن ترتيب الشاحنات لنقل الإمدادات عبر نقاط التفتيش العديدة إلى مواقع برامجنا الأربعة المنتشرة في أنحاء اليمن. العمل المكتبي يملأه الملفات، ويصبح الحوار الدبلوماسي مع الشيوخ والمحافظين وقادة المجتمع المحلي هو فقط ما يفتح الأبواب أمام الطالبين. وهذه الأبواب تغلق مع أقل هبة نسيم، وعلينا أن نكافئ هؤلاء لفتحها مرة أخرى بشيء من اللباقة والتواضع. وفي بعض الأماكن هناك أكثر من باب تحتاج إلى فتحه. وقد فشلنا في توصيل ثلاث ماكينات لتوزيع النقد على الفي شخص ممن فروا من ديارهم بسبب القتال.

ولكننا لا نزال نتحلى بالصبر، حيث يسعى المانحون إلى الحصول على ضمانات، بينما تعاني الناس كثيرا في الحصول على الغذاء. فقد زرت مخيما صغيراً في عمران يقطنة قرابة الف شخص، وملاجئ مصنوعة من صفائح بلاستيكية وحطام مبنى مهجور. الأرض جافة جدا، والرياح تحمل بداية موسم الأمطار. لا يوجد مال، والتسول أصبح المصدر الوحيد للدخل، والناس تطهو طعامها على النار في العراء باستخدام العبوات البلاستيكية القديمة كوقود لغلي بعض الماء. وما زلنا ننتظر الاتفاقيات الجانبية لكي تتحقق منها السلطات التي ستسمح لنا بتنفيذ أنشطتنا. إن الصراع يولد انعدام الثقة، والتي بدورها تستغرق وقتا طويلا لإعادة بنائها، ويمكن أن تنعدم الثقة بسبب تصرف واحد تافه متهور. العد إلى العشرة هو للأطفال، أما نحن نعد بالأسابيع.

يوجد موقع عسكري كبير في منطقة حرف سفيان، شمال محافظة عمران،  تستهدفه الغارات الجوية. ويقدر عدد السكان المدنيين في هذه المنطقة بــ 60 الف نسمة، ويذكر أنها بها أحد أعلى معدلات الإصابة بالكوليرا - غير أن وكالات الإغاثة لا تستطيع الوصول إليها. هذا الصباح، كان موظفوا أوكسفام (المحليون) في طريقهم إلى مخيم غير رسمي للنازحين بمحافظة عمران يضم 1500 شخص، وذلك من أجل تسهيل عملية التحويل النقدي للناس حتى يتمكنوا من شراء الطعام ، عندما تم إيقافهم فجأة بوابل من الرصاص الموجه نحو سيارتهم ، أرتفع صوت مكابح سيارتهم في محاولة لإيقافها، و مع ذلك ، لم تستجب مكابح الشاحنة بالشكل المناسب و أستدارت الشاحنة قبل أن تتوقف ، لحسن الحظ لم يتأذى أحد. وهذا مجرد مثال واحد من الحوادث المشابهة التي تحدث بشكل كبير وتعيق وصولنا إلى اليمنيين الذين نحاول مساعدتهم. فقد لا نتمكن من الوصول إلى هذا المخيم لمدة أسبوع آخر على الأقل.

إن عملية السلام في اليمن متوقفة، وقرار مجلس الأمن الدولي الذي كان يعتقد أنه سيجلب السلام، لم يتوصل إلى حل وسط أو حوار شامل. فهناك حاجة الي إصلاح شامل وقرار جديد أكثر فعالية من الأمم المتحدة؛ يكون المفتاح أمام باب السلام . وفي الوقت نفسه، يشعر المجتمع الدولي بالإرتياح لأن اليمن ليس قريباً منهم، فالسفارات لا تزال خالية من الموظفين، والزيارات الدولية نادرة، بينما يعاني صندوق جمع المساعدات الإنسانية اللازمة لمساعدة الشعب اليمني بشكل مخز من نقص التمويل ، وانتهاكات القانون الدولي لا أحد يأبه بها. إذا كان هناك بلد يحتاج إلى دعم دولي للتوصل إلى أمل في المستقبل فهو اليمن. وبدلا من تحقيق ذلك، فإن الكثير من الحكومات في جميع أنحاء العالم تدعم الأسلحة التي تأجج الصراع، وتقايض المعاناة بفرص العمل المكتسبة، وعائدات الضرائب والمكاسب السياسية.

لذلك، أجلس وأنتظر بفارغ الصبر مع الشعب اليمني أن يصبح المجتمع الدولي مستنيرا وفاعلا. وأنا على يقين بأن الإمدادات سوف تصل، و أعلم أننا سوف نقوم بتوزيعها، وأعلم أيضا أن أرواحا ستزهق بشكل غير مبرر. سنظل صبورين لكن محبطين أيضا.

شين ستيفنسون، مدير منظمة أوكسفام في اليمن