المجموعة النسوية الاولى لمساندة العاملات المنزليات في لبنان

المجموعة النسوية الاولى لمساندة العاملات المنزليات في لبنان

"ان تكوني امرأة فهذا تحدي، وان تكوني سوداء فهذا تحدي، وان تكون عاملة منزلية فهذا تحدي"، هكذا تختصر كايلا (اسم مستعار) وضعها ووضع الاف العاملات المنزليات في لبنان. تقول كايلا ان النساء اللبنانيات يواجهن بأنفسهن الكثير من التحديات لمجرد كونهن نساء، فما بالك اذا كنّ ينتمين الى المجتمعات المهمشة.

اختارت كايلا ان تأتي الى بيروت لتعيل عائلتها، "اخبروني ان لبنان بلد مسيحي وفيه حرية، ويمكنني ان اجني الكثير من المال. لكن المعاناة بدأت في الغرفة الصغيرة في المطار (في بيروت)"، تقول كايلا. تضيف انه تم التعامل معهن كالعبيد فور وصولهن، الامر الذي استمر خلال السنوات السبع التي قضتها في لبنان. نظام الكفالة- الاستعباد في العصر الحديث كما تصفه كايلا- يحرم الاف العاملات المنزليات من حريتهن. تقول فرح سلكا، المديرة التنفيذية لحركة مناهضة العنصرية في لبنان، هو عبارة عن مجموعة اجراءات ادارية وليس قانوناً مسنوناً في أي نص. أضف إلى ذلك، يستثني قانون العمل اللبناني العاملات المنزليات (مواطنات واجنبيات)، وهنا اساس المشكلة- لأننا لا نعترف بالعمل المنزلي كعمل أصلاً فلا تنطبق عليه حقوق العمال. تقول فرح: " النظام محجف كلياً كونه لا يتعامل معهم كعمال لهم حقوق وواجبات، ولا تتم محاسبتهم بما يتناسب وحجم اخطائهم في مكان العمل إن ارتكبوها". وتشرح كيف انه يتم التعاطي مع العامل كآلة او سلعة ويتم ترحيله فوراً وغصباً الى بلده إذا ما قرر الكفيل ذلك بجرة قلم.

اضطرت كايلا ان تنتقل بين 7 منازل خلال السنوات الثلاث الاولى في لبنان، قبل ان تقرر اخيراً الهرب. "في بعض المنازل كنت اتعرض للتحرش من الرجل في المنزل. وتعرضت للعنف الجسدي ولم يتم تقديم لي الطعام. واذا مرضت من الجوع لم يأخذوني الى المستشفى" تقول كايلا. تشرح المعاملة غير الانسانية التي تعرضت لها في اخر منزل عملت فيه: "كنت مريضة جداً لاني لم اكل لايام ولم يكن هناك ماء للشرب. لم اكن املك المال ولم اعرف من اين يمكنني الحصول على طعام". تقول كايلا انها واجهت العائلة وطلبت ان يعاملوها كإنسان او ان يأخذوها الى مكتب الاستقدام. لكنهم قرروا ترحيلها، فهربت من السيارة. بدأت بالعمل لحسابها، لكنه كما تصفه بأنه "سجن مفتوح... لم اشعر ابداً بالحرية، لم يكن لدي حياة اجتماعية، ولا طبابة". وتضيف بإنها كانت دائماً عرضة للتوقيف كونها لا تملك اقامة سارية، اذ وفق نظام الكفالة لا تستطيع كايلا الحصول على رخصة عمل او اقامة عمل كغيرها من الاجانب العاملين في لبنان، بل تكون تأشيرتها مرتبطة مباشرة بالكفيل. "العاملات المنزليات لديهن رعب الاوراق" ان هذا يجعلهن عرضة للاستغلال على نقاط التفتيش وسيارات الاجرة، اذ يتم الاعتداء جنسياً عليهن او اخذ اموالهن مقابل ان لا يتم تسليمهن للجهات الامنية.

يعاني ما يقارب 300 الف عاملة منزلية* من نظام الكفالة السيء لدرجة انه لا نرى أي منفذ في تعديله بل واجب علينا الغائه كلياً وإستبداله بنظام عدلي يحفظ حقوق جميع الأطراف بالعيش والعمل ضمن ظروف سوية وسليمة. تقول ان العقود الموقعة حالياً بين العاملة وصاحب العمل تكون دائماً باللغة العربية فقط، ويتم توقيعه فور وصول العاملة الى لبنان، ولا يتاح لها قراءته بلغة تفهمها او الاحتفاظ بنسخه عنه. وتشير فرح الى ان الكثير من اصحاب العمل يقومون باحتجاز جواز السفر الخاص بالعاملة، وهو ما يخالف القرار القضائي الذي اصدره القاضي جاد معلوف أو أي منطق إنساني أو حقوقي. ويبرر الكثيرون بأنهم يريدون ضمان عدم هرب العاملة التي كلفتهم معاملات استقدامها ما يتراوح بين الفين وثلاثة الاف دولار، "لا يريدون المخاطرة بأموالهم على حساب حرية انسان اخر" تعلّق فرح.

تدعو كايلا الفتيات في بلادها الى البقاء حيث هن لتحقيق احلامهن مهما كانت الاوضاع الاقتصادية صعبة، "الكثيرون فقدوا حياتهم هنا وهم يسعون لتحقيق احلامهم". ومع ذلك لا تزال كايلا تؤمن بأن التغيير ممكن، وسيأتي اليوم الذي يرى فيه الناس المأساة التي يتسببون بها لغيرهم حين يستطيع هؤلاء الحديث عن انفسهم. ولذلك قررت كايلا واربعة من العاملات المنزليات الاثيوبيات تشكيل مجموعة نسوية لدعم غيرهن من النساء وتوعيتهن حول حقوقهن وبناء قدراتهن للدفاع عن انفسهن وحلّ مشاكلهن. اردن ان يكنّ المجموعة الاثيوبية الاولى التي تقودها نساء لاحداث تغيير حقيقي، في حين تعمل ست مجموعات اخرى على تقديم بعض الخدمات الطبية دون اي توعية، وكلها يقودها رجال. "اشكر صديقاتي في المجموعة... اكثرهن تعرضن للاستغلال مثلي، او ربما اكثر، لكنهن لم يستسلمن... انهن يضحين بمالهن وبيوتهن ويقدمن معرفتهن لمساعدة غيرهن"، تقول كايلا وهي تودع صديقاتها في المجموعة قبل مغادرتها لبنان الى كندا. ستكمل كايلا دراستها هناك في القانون لتعود الى لبنان بجنسية غربية لتستطيع تقديم النصيحة القانونية للعاملات الاثيوبيات، وتحويل المجموعة الى منظمة قادرة على احداث تغيير في مجتمع النساء الاثيوبيات في لبنان. ولدعم مسار تحقيق هذا الحلم، كانت المجموعة جزءاً من مشروع تنفذه منظمة اوكسفام بهدف تعزيز حقوق النساء الشابات والشباب الترانس، قيادتهم وعملهم الجماعي ، من خلال تقديم التدريب والتوجيه ومنح مالية لتطوير وتنفيذ مبادراتهم، وخلق روابط مع مجموعات ومنظمات نسوية بهدف تبادل الخبرات.   

وفي رسالتها الى النساء اللبنانيات تقول كايلا "انظرن الى انفسكن في المرآة، انتن ايضاً ضحية القوانين. يجب ان تحمونا، نحن مثلكن".