16 يوما من التضامن مع المدافعات عن حقوق الانسان

تأتي حملة الـ16 يوما من النضال لمناهضة العنف ضد المرأة هذه السنة (وهي من 25 نوفمبر الي 10 ديسمبر) في ظل مناخ عام يتزايد فيه العنف الموجه ضد النساء ولاسيما المدافعات منهن عن حقوق الانسان. فمن اغتيال الناشطة الحقوقية سعاد العلي في العراق في سبتمبر 2018 والتي ناضلت من أجل حق النساء في الوصول للخدمات العامة وشاركت في تنظيم الاحتجاجات من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية ببلدها؛ مرورا بمطالبة النيابة العامة السعودية بإعدام إسراء الغمغام المدافعة عن حقوق الانسان تطول قائمة العنف المبرمج ضد الناشطات.

فنرى استمرار السعودية في اعتقال الناشطات من بينهن لجين الهزلول، ونسيمة الصدح، وعزيزة اليوسف، وايمان آل نفجان، ونوف عبد العزيز، ومياء الزهراني و هتون الفاسي وسمر بدوي واللواتي ناضلن من أجل انتزاع حق النساء السعوديات في القيادة*، و الحصول علي حقوق سياسية متساوية مع الرجال بما في ذلك إلغاء نظام ولاية الرجل على المرأة. ونرى ذلك جلياً ايضا في استهداف الحوثيين للتظاهرة السلمية التي نظمتها النساء في صنعاء في السادس من أكتوبر 2018 والتي طالبن فيها بحقهن في لقمة العيش والحماية من الجوع حيث قام الحوثييون  بإعتقالات تعسفية.  وفي الكويت تعرضت محامية حقوق الانسان عبير الحداد الى تهديدات بسبب دفاعها عن الحقوق المدنية والانسانية لمجتمع البدون. كما نري نفس العنف في قيام الاحتلال الاسرائيلي بإعتقال الناشطات اللاتي يناهضن السياسات  القمعية التي تؤثر في حياة الفلسطينين ، من بينهن عهد التميمي، والتي ناهضت الإحتلال ودافعت عن حقوق الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية.

أما في السودان، فقد استهدف النظام المدافعات عن حقوق الانسان من أجل تقييد حركتهن، ومن بينهن المدافعة ويني عمر. اما في مصر فقد استمر حبس المدافعة أمل فتحي لنشرها مقطع فيديو تنتقد فيه فشل الحكومة في حماية النساء من التحرش وغيرها زجت المئات من الحالات الأخرى الي السجون أوتعرضن الي العنف الممنهج من قبل الحكومات العربية في المنطقة بسبب دفعاعهن عن حقوق الإنسان.  

وقد يظن البعض للوهلة الأولى أن هذه الحالات حوادث فردية معزولة إلا أنها في الواقع ترتبط ارتباطا وثيقا بسياق سياسي وتاريخي مشترك. أولا كان إغتيال الحركات الشعبية المطالبة بالتغيير أو ما يعرف بـ"الربيع العربي" سمة مشتركة لتلك البلدان.  ثانيا، تسيّد النظام العسكري من ناحية في هذه المنطقة؛ وتصاعدت فيها الأصوليات وحركات التطرف من ناحية أخري. ثالثا انتشرت النزاعات المسلحة في خضم محاولات الحكومات "الحرب على الإرهاب"؛ رابعا، تراجعت العدالة الاجتماعية بينما تقدمت السياسات الاقتصادية النيوليبيرالية بهذه الدول.

وقد فرض هذا السياق منظومة فكرية وثقافية ذكورية أبوية تروّج للممارسات العنيفة وتقلّص من المساحات والحريات العامة للمرأة، الأمر الذي جعل النساء ، ولا سيما المدافعات عن حقوق الانسان، أكثر عرضة لهجمات العنف، وبالأخص العنف الجنسي. و في الوقت الذي اكتسبت فيه التوجهات المحافظة مساحة أكبر في مجتمعاتنا بشكل متصاعد، تقلّصت بشكل كبير المساحات العامة لأصوات النساء ، والتي قمن في السابق بإنتزاعها بفضل نضالاتهن خلال السنوات العشر الأخيرة، لاسيما في البلدان التي شهدت انتفاضات وحركات اجتماعية ذات أفق ديمقراطي، كمصر وليبيا، واليمن والبحرين وسوريا والعراق.

من الجلي أن سياق الانتهاكات الممنهج الذي تتعرض له المدافعات عن حقوق الانسان والناشطات في المنطقة كلها دون استثناء هو مظهر خطير من مظاهر العنف ضد النساء. وفي هذه الايام الستة عشرة  التي تعلو فيها الأصوات لكشف ومناهضة كل أنواع العنف الموجه ضد المرأة تكون علينا مسئولية سياسية وأخلاقية لدعم كل من تناضل يوميا ضد العنف وللتضامن معها من أجل إعلاء قيم حقوق الانسان التي طالما افتقدت في مجتمعاتنا. فلا بد من أن نتذكر كل منهن ونضم أصواتنا  اليهن تضامنا خاصة مع كل من قتلن أو تم إخفاؤهن أو محاكمهتن أوملاحقتهن أومحاولة إسكاتهن على إمتداد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ذلك لأن هؤلاء النساء يلعبن بشكل مضطرد دورا أكثر بروزا في الحركات الاجتماعية المختلفة وهن من يقفن على الخطوط الأمامية للنضال من أجل العدالة والحرية والمساواة وكرامة الإنسان.

 

*مصدر: التحالف الاقليمي للمدافعات عن حقوق الانسان في الشرق الاوسط وشمال افريقيا